تحدّي الصعاب

أيعقل أنكِ سبحتِ في المحيطات الخمسة؛ أيعقل أنكِ تنوين صعود القمم السبع وأنتِ ترتدين الحجاب؟؟
سؤال شائع يوجه لي باستمرار! وغالباً يحكم عليّ الناس إما بالشخصية الجريئة أو بالحمقاء؛ وذلك بسبب اختياري للسفر وحيدة. لأن شغفي في مواجهة التحديات ينبع من شخصيتي، ومن هويتي، ومن تربيتي.


لقد نشأت في أسرة متعددة الأعراق واللغات؛ والدتي إفريقية؛ أصولها مزيج من دم عربي و أوروبي. بينما والدي هو رجل عربي ينتمي لقبيلة مهيمنة ومتنفذة. لقد ترعرعت وأنا أتحدث ثلاث لغات معا، وهي العربية والإنجليزية والسواحلية؛ التي منحتني شعوراً مختلفاً بالانتماء؛ حيث انغمست في ثقافات مختلفة، كانت متشابهة في بعض الجوانب ومختلفة في جوانب أخرى.


إن كوني متعددة اللغات يعني أن نظرتي للجمال تختلف عمن حولي. حيث تتملكني قناعة بتقبل الاختلافات وغرس مفهوم الاندماج، لهذا كنت أتلهف للتعلم والاستكشاف. على الرغم من أن التنقل بين اللغات أمر صعب في بعض الأحيان. إلا أن هذا الوصف مطابق لي وهو؛ الشغف والتحمس لأجل أسباب اجتماعية عديدة في آن واحد.


ومع ذلك، فإن الحياة لم تكن كلها سهلة، ولم تكن وردية، وتحمل نهايات سعيدة. حيث مباشرة بعد انتهائي من دراسة الثانوية العامة، وجدت نفسي في عائلة متعددة الزوجات. وذلك بعدما تزوج أبي من ثلاث نساء في آن واحد. بغض النظر عن الدلالات السلبية في هذه المرحلة مع عدم التصديق، وثم محاولة التكيّف مع ذلك الوضع الصعب والمعقد، تكشفت لي من خلال تلك الفوضى الكارثية نعمة كبيرة كانت مخفية لدي. وذلك عندما عرفت قيمة امرأة استثنائية.


قررت والدتي لملمة جراحها، وانتشال نفسها، ونفض غبار الصدمة عنها، وبدء حياة جديدة في عمر الـ 42 عامًا. خلال تلك الفترة كنت أدعم عائلتي من خلال العمل والدراسة معاً، وذلك أثناء التحاق والدتي بالمدرسة المسائية. على الرغم من معاناتها وصعوبة التكيّف، أصبحت والدتي المرأة التي أفتخر بها وأطمح بأن أكون مثلها. تحولت والدتي إلى امرأة طموحة ومثابرة. وكانت تمضي قُدماً دون أن تحبطها كلمة ”لا“. لقد انتهى بها الأمر إلى الحصول على وظيفة في القطاع العام، وها هي اليوم تترأس دائرة بأكملها.


إن اجتياز هذه المرحلة من الانكسار منحني القوة والحافز أن أبرهن للناس عندما يكونون على خطأ. لقد شعرت بالانبهار أكثر وأكثر من كلمة ”لا“ التي تثير غضب وحفيظة رجال عائلتي ومجتمعي وبلدي. أصبحت كلمة “لا” هي الحافز التي تدفعني للقيام بعمل أفضل. ولكي أثبت للجميع، لمرة واحدة وإلى الأبد، أنني قادرة على فعل كل ما يستطيع الرجال القيام به، بل إن لم أكن أفضل منهم جميعاً.


أن أكون امرأة في هذا الجزء من العالم الذي أنتمي إليه لهو أمر صعب وقاسٍ للغاية. لأنكِ سوف تدركين كلما تقدم بكِ العمر، أنكِ لا تتمتعين بنفس الحقوق المتساوية التي يتم وعظ الناس بها في كل مكان. أضيفي إلى ذلك كونكِ شابة محجبة ومن بيئة مختلطة، مما يجعل المعادلة أكثر قسوة مما هي عليه بالفعل. أحياناً، تنتابني الرغبة بالاستسلام والتخلي عن طموحاتي بسبب تلك النظرة التي تقلل من شأني. حينها أتذكر والدتي التي رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها، من المجتمع الذي وقف ضد إنهاء تعليمها العالي، ومحاولة دفعها للتخلي عن وظيفتها لتربية أطفالها، والتستر على زوج غيور، وإجبارها على تحمّل زواج غير مخلص، خَرجَت في الجانب الآخر أقوى من ذي قبل. إن قصتها هي الحافز الذي يشجعني على المواصلة والاستمرار عندما ينتابني اليأس.


إن قصة معاناتها هي الوقود الذي يشعل نيران الاستمرار في جوفي.
من نحن سوى مجرد تراكمات للحظات صغيرة مصيرية؟
إن هذه التحولات والانعطافات التي واجهتها في حياتي تشكل لي في كل صباح الحافز لإحداث التغيير، وتحدي الصعاب، وأن أكون السبّاقة؛ حتى لو في المقابل صُنّفت، بشكل سلبي وغير منطقي، بالمرأة المحجبة التي لا تعرف الخوف، فالأمر يستحق كل ذلك!
التوقيع: بلا هوية


ترجمة المقال من اللغة الإنجليزية: حبيبة الهنائي

هنا الرابط للمقال الأصلي

تنويه: الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي للمؤلف/ ـة ولا تعبر بالضرورة آراء الجمعية